الصحة والمرض
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ) .
أما بعد:
" يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ", " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ".
أيها المسلمون والمسلمات.
فهذه محاضرة بعنوان (المؤمن بين الصحة والمرض).
وفيها ثمان وقفات:
· الأولى: نداء للصحيح.
· الثانية: كرامات الصابر على المرض.
· الثالثة: طهارة المريض وصلاته وصيامه.
· الرابعة: الوقاية خير من العلاج.
· الخامسة: أسباب علاج الأمراض.
· السادسة: فضل كتابة الوصية وحكمها .
· السابعة: فضل عيادة المريض وآدابها.
· الثامنة: علامات حسن الخاتمة وأنواع الشهداء.
الوقفة الأولى: أيها الصحيح:-
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس, الصحة والفراغ ), لماذا كان مغبوناً؟! لأنه لم يستفد من صحته وفراغه بما يقربه إلى الله والدار الآخرة.
ولذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم باستغلال الصحة والاستفادة منها قبل أن يأتي ضدها, فقال (اغتنم خمساً قبل خمس, ثم ذكر منها: وصحتك قبل سقمك ).. الحديث
أيها الصحيح:-
هذه الصحة والعافية سوف تسأل عنها يوم القيامة وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ثم ذكر منها ( وعن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه ... ) الحديث, فاجعل هذه الصحة والعافية عوناً لك على طاعة الله.
أيها الصحيح:
إذا أردت أن تعرف قدر الصحة والعافية فأكثر من زيارة المرضى في المنازل والمستشفيات ... ولذلك قيل إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى, كم من مريض يتمنى أن يخطوا بقدميه ليصلي الفريضة مع الجماعة, ويصل أرحامه, ويزور إخوانه .. ولكنه لا يستطيع.
كم من مريض انقطع عن الناس فهو لا يسمع ولا ينطق يتمنى سماع القرآن وترتيل آياته, ولكنه لا يستطيع.
كم من مريض كف بصره, فهو يتمنى أن يرى مخلوقات الله وآياته, وكم من مريض يتمنى أن يأكل الطعام ويشرب الشراب ولكنه لا يستطيع, وكم من مريض لا تسكن أوجاعه, ولا يرتاح في منامه ... وغيرهم كثير.
أيها الصحيح:
هل نسيت هؤلاء ؟! فاتق الله في صحتك وعافيتك واشكر الله على نعمة القدمين واستخدمها في الذهاب والإياب للمساجد ولكل خير, واشكر الله على نعمة اللسان وأكثر فيه من تلاوة القرآن وتذكر قوله صلى اله عليه وسلم " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" واشكر الله على نعمة السمع واحفظه عن سماع الأغاني والموسيقى, واشكر الله على نعمة العينين فلا تنظر بهما إلى النساء في الشاشات أو على صفحات المجلات أو في الأسواق, وتذكر وأنت ترى بأن الله يرى, وقد أمرك بغض بصرك فقال " وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ..." ثم أمر النساء بقوله " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ".
أيها الصحيح:
هذا هو الشكر الحقيقي لله على نعمة الجوارح مع استخدامها في طاعة الله, تذكر وأنت تجاهد نفسك على شكر الله في جوارحك كلها أن الله يحفظها عليك ويمتعك بها سنوات طويلة, ويوفقك سبحانه وتعالى لاستخدامها فيما يرضيه.
وفي الحديث القدسي أن الرب تبارك وتعالى قال: " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها, ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه " الحديث.
والمعنى أي وفق الله جوارحك لفعل الخيرات ومتعك بها سنوات عديدة. يروى أن أحد الصالحين بلغ من العمر سبعين سنة وكانت جوارحه سليمة, فلما سئل عن ذلك قال: هذه جوارح حفظناها في الصغر على طاعة الله فحفظها الله علينا في الكبر.
أيها الصحيح:
اسأل نفسك هل شكرت الله على نعمة الجوارح شكراً حقيقياً, فاستخدمتها في طاعة الله, وكففتها عن معصيته, فالشكر الحقيقي عمل بالجوارح, كما انه إقرار بالقلب ونطق باللسان.
قال تعالى " اعملوا آل داوود شكراً وقليل من عبادي الشكور " وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم يتهجد بالليل حتى تورمت قدماه فقالت له عائشة رضي الله عنها, لم تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال " أفلا أكون عبداً شكوراً ", فأوصيك أيها الصحيح أن تشكر الله على سلامة هذه الجوارح قبل أن تسلب منك بحادث أو مرض فتكون عقوبة عاجلة على عدم شكر الله.
قال الله تعالى: " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ".
أيها الأصحاء:
لا يخفى عليكم ونحن الآن نتمتع بالصحة والعافية إلا أن البعض منا يعاني من بعض الأمراض العضوية الخفيفة كآلام الظهر والقدمين والمفاصل أو مرض في المعدة أو الجهاز التنفسي أو صداع في الرأس أو وجع في العينين أو الأسنان , أو يعاني من بعض الأمراض النفسية كالهم والغم والحزن والقلق بسبب مشاكل الحياة داخل المنزل أو خارجه, مشاكل مع الزوجة أو الأولاد أو الوظيفة أو الكفيل أو عدم الحصول على زوجة أو وظيفة أو عليه ديون لا يستطيع سدادها أو غير ذلك إذاً لا يخلو الكثير منا من شيء من الأمراض العضوية أو النفسية.
أيها الأصحاء والمرضى:
لقد انتشرت الأمراض وكثرت في هذا الزمن, ظهرت الأورام والأمراض المستعصية كالسرطان (الذي يسميه البعض بالمرض الخبيث ) ولا ينبغي تسميته بالمرض الخبيث لأنه من الله, وقد نبه على ذلك بعض العلماء, وانتشر مرض الضغط والسكر والفشل الكلوي والشلل واستئصال بعض الأعضاء الصغيرة أو الكبيرة, وكثرت حوادث السيارات مما نتج عنه الإعاقات من بعض الأعضاء ولقلة الإيمان وكثرة المعاصي فقد كثرت أمراض العين وهو الحسد وأمراض السحر ومس الجان, والأمراض النفسية المتعددة مع أمراض كبر السن والشيخوخة.
مما جعل المستشفيات تكثر وتعددت أنواعها, وتمتلئ بالمرضى بل لا أبالغ إذا قلت إن الكثير من البيوت لا تخلو من مريض, ونحن جميعاً معرضون للمرض بين عشية وضحاها.
أيها الأصحاء والمرضى:
تذكروا أن أعمارنا في هذه الدنيا قصيرة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه فقال: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وقليل من يتجاوز ذلك ), ولا خير أصلاً في طول العمر إلا إذا كان على طاعة الله.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله ), وقد استعاذ عليه الصلاة والسلام أن يرد إلى أرذل العمر.
أيها الأصحاء والمرضى:
تذكروا أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان, ولهذا فهي مليئة بالمصائب والأكدار والأحزان والأمراض والحوادث.
قال تعالى " ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين".
وقال " لقد خلقنا الإنسان في كبد ". اعلموا أن الجزع لا يفيد بل يضاعف المصيبة ويفوت الأجر ويعرض المصاب للإثم قال علي بن أبي طالب ( إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور, وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور ).
وقال بعضهم, المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان. ولهذا نوصي كل من أصيب بمصيبة في نفسه او والده أو ولده أو زوجته أن يلزم الصبر, فإنه إذا تسلى بالصبر يحصل على حلاوة الإيمان قال تعالى" ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه, والله بكل شيء عليم " يقول علقمة في تفسير هذه الآية : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من الله فيرضى ويسلم, فيعوضه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه.
ويحصل على معية الله " إن الله مع الصابرين ". ويحصل على محبة الله " والله يحب الصابرين " ويحصل على الأجر بغير حساب " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ". قال الأوزاعي على هذه الآية: " ليس يوزن لهم ولا يكال إنما يغرف لهم غرفاً "
ويحصل أيضاً على ثناء الله له ورحمته وهدايته للصابر كما قال سبحانه وتعالى " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ".
قال بعض السلف:- وقد عزى على مصيبة نالته, مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها, يعني الخصال المذكورة في هذه الآية , وهي صلاة الله ورحمته وهدايته للصابرين.
ولقد مدح الله نبيه أيوب عليه السلام بقوله " إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب ".
ويروى أنه لما أصيب عروة بين الزبير بالآكلة في رجله وفي نفس اليوم سقط أحد أبنائه فمات .. فقال عليه رحمة الله: اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحداً وأبقيت ستة وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة, ولئن ابتليت فقد عافيت ولئن أخذت لقد أبقيت ثم نظر إلى رجله في الطست بعدما قطعت فقال: إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم.
ويروى أن الفضيل بن عياض (رحمه الله) كانت له بنت صغيرة فمرض كفها فسألها يوماً: يا بنية كيف حال كفك فقالت يا أبت بخير, والله لئن كان الله تعالى ابتلى مني قليلاً فلقد عافى الله مني كثيراّ, ابتلى كفي وعافى سائر بدني فله الحمد على ذلك.
وعلى المصاب بنفسه أو قريبه أن يردد دائماً قوله عز وجل " إنا لله وإنا إليه راجعون ", ويلزم الصبر حتى يحصل على الثمرات السابقة.
ثم ليقل الحمد لله عند وفاة الولد حتى يبنى له بيتا في الجنة ويسمى بيت الحمد, . ثم ليقل كما قالت أم سلمة عند وفاة زوجها (اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ). قالت فما انتهت عدتي إلا وقد آجرني الله في مصيبتي وأخلف الله لي خيراً من أبي سلمة), حيث تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،كل ذلك بسبب الصبر والاستسلام لله والرضاء بقضاءه وقدره, والتزام أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم عند المصائب.
وكل الأمور إلى القضاء تنسا به ما قد مضى ولربما ضاق الفضاء لك في عواقبه رضا فلا تكن متعرضاً كن عن همومك معرضاً وأبشر بخير عاجل فلربما اتسع المضيق ولرب أمر متعبٍ الله يفعل ما يشاء
الوقفة الثانية: كرامات الصابر على المرض.
(1) أقل الأمراض (الهم , والغم , والحزن ) وهي أمراض نفسية أو شوكة يشاكها المسلم أو ارتفاع في درجة الحرارة فهي:
تكفيراً للسيئات ورفعاً للدرجات وزيادة في الحسنات وسبب خير له كما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) رواه البخاري. وقوله عليه الصلاة والسلام ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له, وليس ذلك إلا للمؤمن )وقوله عليه الصلاة والسلام : ( من يرد الله به خيراً يصب منه ) رواه البخاري. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة) رواه الترمذي.
.وعلى سبيل المثال فإن من الأمراض التي فيها منافع دينية وصحية:
ارتفاع الحرارة وهي ما تسمى بالملاريا أو بالحمى وخاصة للكبار لأن الأطفال لا يتحملون ارتفاع الحرارة أبداً فقد يصاب الطفل بالإعاقة أو التخلف العقلي, ( دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم السائب فقال: مالك يا أم السائب تزفزفين ؟ فقالت: الحمى لا بارك الله فيها, فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد)رواه مسلم. وقال أبن أبي الدنيا كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة ما مضى من الذنوب, وعند الإمام أحمد بسند صحيح عن ابن عمرو ( حمى يوم كفارة سنة ) وفي الأدب المفرد للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ( ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى ) والسبب والله أعلم أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل.
ومن فوائد الحمى: الصحية: ما ذكره الشيخ عبد الرحمن اليحيى في مطويته – فوائد المرض – فقال: الحمى وهي المعروفة بالملاريا, ففيها منافع للأبدان لا يعلمها إلا الله حيث إنها تذيب بعض الفضلات وتتسبب في إنضاج بعض المواد الفاسدة وإخراجها من البدن, ولا يمكن أن يصل إليها دواء غيرها يقول بعض الفضلاء من الأطباء:
إن كثيراً من الأمراض التي نستبشر فيها الحمى, كما يستبشر المريض بالعافية فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء الكثير, فمن الأمراض التي تتسبب الحمى في علاجها مرض الرمد والفالج واللقوة وهو داء يعوج منه الشدق – وزيادة على الصحة فهي من أفضل الأمراض في تكفير الذنوب.
(2) من فوائد المرض: تخويف الله للعبد حتى يرجع إليه ويستقيم على دينه قال تعالى: " وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ". فما ابتلاه الله إلا ليخوفه لعله أن يرجع إلى ربه.
أخرج الإمام أبو داوود في سننه (رحمه الله) عن عامر مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن المؤمن إذا أصابه سقم ثم عافاه منه كان كفارةً لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل, وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه).
وهذا مشاهد ومعروف عند بعض الناس إذا ابتلاه الله بحادث أو مرض ثم لزم الفراش, كان هذا المرض سبباً في استقامته ورجوعه إلى الله والتزامه بأوامر الله وتركه لمحارم الله فكان هذا المرض خيراً له وسبباً في صلاح دينه الذي هو رأس ماله وسوف يدخل معه عمله في قبره ويقف به يوم القيامة ويلاقي به ربه, وقد ورد في الحديث القدسي أن الرب تبارك وتعالى قال " وإن من عبادي من لا يصلح له إلى المرض ولو عافيته لأفسدت عليه دينه " أو كما ورد.
( 3 ) من فوائد المرض, محبة الله للمريض:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ) ولذلك انظر كيف ابتلى الله الأنبياء بالأمراض والمصائب, فيونس عليه السلام في بطن الحوت وأيوب عليه السلام تمزق لحمه من الدود وإبراهيم عليه السلام في النار ... فهؤلاء الأنبياء ابتلاهم الله عز وجل لأنه يحبهم ولقوة إيمانهم, وقد ورد في الحديث أن سعد ابن أبي وقاص سأله أي الناس أشد بلاءً؟ فقال صلى الله عليه وسلم (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل, يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه, وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ) رواه الترمذي.
(4) من فوائد المرض استمرار عمله الصالح الذي كان يحرص عليه أيام صحته:
يكتب له الأجر كاملاً, فقد بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الأشعري ( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)رواه البخاري.
(5) من فوائد المرض: قرب الله من المريض:
ففي الحديث القدسي يقول الله:" ابن آدم عبدي فلان مرض فلم تعده, أما لو عدته لوجدتني عنده " رواه مسلم.
(6) من الفوائد زيادة الثواب يوم القيامة:
فعن جابر رضي الله عنهما قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم قرضت في الدنيا بالمقارض ) رواه الترمذي.
(7) من الفوائد أن هذا المرض سبب في دخول الجنة ( بإذن الله )
فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال لأحد أصحابه ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قال بلى: قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي , قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت لك الله أن يعافيك, فقالت إني أصبر, فقالت إني أتكشف, فادع الله أن لا أتكشف, فدعا لها)رواه البخاري.
بل قد يكون هذا المرض سبباً في الحصول على المرتبة العالية في الجنة وفي الحديث (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى ) رواه أبو داوود وصححه الألباني, ولهذا قال بعضهم التهنئة بأجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصيبة.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت وقد يبتلي الله بعض القوم بالنعم
ولا شك أن كل هذه المصائب والأمراض والحوادث والفقر سوف ينساها المؤمن من أول غمسة في الجنة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال له : ياابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا ، والله يارب . ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال ياابن هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر بك من شدة قط ؟ فيقول : لا يارب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط ) رواه مسلم. فهذا الكافر أو المنافق نسي لذات الدنيا كلها ونعيمها وترفها بغمسة واحدة في النار, وهذا المؤمن نسي أمراض الدنيا وبؤسها وفقرها كلها بغمسة واحدة في الجنة.
يا صاحب الهم أن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفـــــارج الله
اليأس يقطـع أحيانً بصاحــبه لا تيـأسن فإن الكـــــــافي الله
الله يحدث بعد العسـر ميـسرة لا تجزعن فإن الصـانــــع الله
إذا بليت فثق بالله وارض بـه إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله مالك غير الله من أحـــــدٍ فحـسبك الله في كـــــل لك الله
الوقفة الثالثة: طهارة المريض وصلاته وصيامه:
أولاً: الطهارة:
يجب على المريض أن يتطهر بالماء من الحدث الأصغر (فيتوضأ) ويغتسل من الحدث الأكبر ( يعني الجنابة أو الحيض والنفاس للمرأة) فإن لم يستطع ذلك لعدم وجود الماء عنده – أو عجز عن استعمال الماء –أو خاف من زيادة المرض أو تأخر برئه من استعمال الماء فإنه يتيمم.
* وصفته: أن يضرب بيديه على تراب طاهر له غبار ضربة واحدة ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه.
فإن كان لا يستطيع التيمم يممه غيره, فإن لم يجد أحداً صلى حسب حالته,
قال تعالى :"فاتقوا الله ما استطعتم ", وقال " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ".
فإن كان في بدنه أو ثوبه أو فراشه نجاسة ولا يستطيع إزالتها أو التطهر منها, جاز له الصلاة على حالته التي هو عليها ولا إعادة عليه. ومن كان به سلس بول أو خروج الريح والدم والقيح فإنه يتوضأ أو يتمم لكل صلاة على حسب حالته الصحية, وما يخرج أثناء الصلاة من البول أو الريح أو القيح أو الدم فإنه لا يؤثر على صلاته ولا يعيدها.
* وبعض المرضى (هداهم الله وشفاهم) يستطيع أن يتوضأ ولا يضره استعمال الماء ثم يتكاسل عن الوضوء ويتيمم وربما أن بعضهم صلى بدون تيمم وهو يستطيع ، وهذا لا يجوز ، وقد تكون صلاته غير صحيحة ومردودة عليه .
ثانياً: الصلاة:
على المريض أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من أيام صحته وعليه أن يصلي حسب قدرته واستطاعته كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنبك ) رواه البخاري وغيره , زاد النسائي (فإن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ).
· وعليه أن يصلي كل صلاة في وقتها فإن شق عليه ذلك فله الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء سواءً جمع تقديم أو جمع تأخير حسبما تيسر له.
· وعلى المريض أن يحرص على استقبال القبلة بوجهه إن أمكن ذلك فإن عجز فيصلي على أي جهة كانت.
· وإذا نام المريض عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها متى استيقظ أو ذكرها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ).
· ولا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها, فإن تركها حتى يخرج وقتها وهو عاقل مكلف يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم, وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك.
· ونسمع عن بعض المرضى (هداهم الله وشفاهم) انه ربما ترك الصلاة بالكلية ويحتج بان في بدنه أو ثوبه نجاسة ولا يستطيع إزالتها أو أنه على غير القبلة, وربما ظن بعض المرضى بان الصلاة تسقط عنه حتى يشفيه الله, والمعلوم عند العامة والخاصة أن الصلاة لا تسقط عن المسلم والمسلمة ما دام عقله موجوداً.
ثالثاً: الصيام:-
للمريض مع الصوم ثلاث حالات:
§ الحالة الأولى: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره فيجب عليه الصوم.
§ الحالة الثانية: أن يشق عليه الصوم فيكره له الصوم وعليه القضاء إذا شفاه الله.
§ الحالة الثالثة: أن يضره الصوم فيحرم عليه أن يصوم وعليه القضاء إذا شفاه الله.
فإن كان مرضه لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً بعدد الأيام التي أفطرها أولا يستطيع صيامها ولا قضاءها.
الوقفة الرابعة: الوقاية خير من العلاج.
هذه حكمة معروفة ومعناها واضح بأن العاقل ينبغي له أن يقي نفسه ويتحصن من الأمراض والحوادث قبل وقوعها ... فهذا خيرله من إهمال نفسه أو تعريضها للأمراض والحوادث ثم ينشغل بعد ذلك بالبحث عن العلاج أشهراً أو سنوات.
فعلينا جميعاً أن نأخذ بهذه الحكمة العظيمة " الوقاية خير من العلاج " وأن نحصن أنفسنا من الأمراض والحوادث قبل وقوعها بإتباع الأمور الآتية:
*- أولاً: المحافظة على أذكار الصباح والمساء:
فهي حصن حصين للمسلم والله عز وجل يحفظ عباده بهذه الأذكار ويدفع عنهم المصائب والمحن والأمراض والحوادث, وهذا مشاهد ومعروف.
ومن هذه الأذكار قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ففي حديث عبد الله بن خبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ثلاث مرات (قل) فقال يا رسول الله ما أقول: قال قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء. وكذلك قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه … "
والتي بعدها فعن ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال
من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه ) قيل كفتاه من كل شيء ، وكذلك قراءة آية الكرسي عند النوم يحفظك الله بها قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي " الله لا إله إلا هو الحي القيوم .." فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان ).
و قول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .. فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح, ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي ).
وقول أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات في الصباح والمساء وقول حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال حين يصبح وحين يمسي, حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله عز وجل همه من الدنيا والآخرة ).
وقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة في الصباح, فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من قالها مائة مرة كان كمن أعتق عشرة أنفس من ولد إسماعيل وكتب له مائة حسنة ومحي عنه مائة سيئة ولم يأت أحد بأفضل منه إلا رجل قال مثله أو زاد عليه, وكانت له حرزاً من الشيطان في يومه ذلك حتى يمسي ).
*- ثانياً: من التحصن من الأمراض قبل وقوعها التصبح بسبع تمرات.. فعن سعد بن أبي وقاص قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من تصبح كل يوم سبع تمرات عجواء لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر ) رواه البخاري.
قال ابن باز عليه رحمة الله إنما يكفيه أن يتصبح بأي نوع من التمر ولا يلزم تمر العجواء.
ثالثا : التحصن من الأمراض قبل وقوعها:
التوسط أو التقليل من الطعام والشراب, فإن في ذلك الصحة والنشاط وقوة الجسم والفهم, يقول علي بن الحسين: قد جمع الله الطب كله في نصف آية.. قوله عز وجل "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا .." وجمع رسوله صلى الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
المعدة بيت الأدواء ( يعني بيت الأمراض ) والحمية رأس كل دواء ..), وقد ورد في الحديث (أصل كل دواء الحمية) يعني عن كثرة الأكل والشرب.
قال بعض الحكماء: أكبر الدواء تقدير الغذاء, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بياناً شافياً يغني عن كلام الأطباء فقال: ( ما ملأ آدمي وعاءً شر من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه, فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ). أخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معدي كرب, ويروى في الأثر عن عمر ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع ).
فمن أراد صحة البدن فعليه أن يأخذ بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في التوسط والتقليل من الطعام والشراب وعليه أيضاً أن يعود نفسه على صيام أيام من الإسبوع كالاثنين والخميس أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر, فالصيام فيه أجور عظيمة,ومع ذلك فهو يعطي المعدة راحة وتخلصاً من بعض الفضلات والترسبات , وقد قيل (صوموا تصحوا )
وهي حكمة وليست بحديث فأوصيك بالتقليل من الطعام والشراب وافطم نفسك عن بعض الوجبات وأبدلها بشيء من الفاكهة إن كنت تبحث عن الصحة والنشاط, وستجد ذلك واضحاً.
بعض الناس لا يملك نفسه عند الطعام والشراب, ويأكل كثيراً, ولا يقوم من المائدة إلا وقد ملأ جميع الأثلاث ولا يبالي بإدخال الطعام على الطعام, يفعل هذا يريد الصحة والقوة, فيصاب بالتخمة أو تجلط بعض الشرايين أو يصاب بالضغط أو السكر إذا كان يكثر من السكريات والأملاح والدهنيات أو يصاب بضيق التنفس لأن المعدة إذا امتلأت بالطعام والشراب فإنها تضغط على القفص الصدري فلا تأخذ الرئتين راحتهما بالزفير والشهيق, ويصاب كذلك بكثرة الإفرازات من الأنف والفم والقبل والدبر وكثرة العرق من سائر الجسم, ويصاب بالكسل والخمول والعجز وكثرة النوم حتى تفوته الكثير من مصالح دينه ودنياه.
عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه كان لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه, فأتى يوماً برجل يأكل معه, فأكل كثيراً, فقال لخادمه, لا تدخل هذا علي, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ) رواه البخاري, وجاء عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت" رواه الدارقطني في الإفراد وقال هذا حديث غريب.
*- رابعاً : من التحصن من الأمراض والمصائب والحوادث قبل وقوعها:
فعل أسباب السلامة من تفقد السيارة وعدم تجاوز السرعة المحددة داخل البلد وخارجه حتى لا نعرض أنفسنا ومن معنا للحوادث والإصابات و الإعاقات أو الموت والله عز وجل يقول " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقال " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً", فأوصى كل قائد سيارة أن يتقي الله في نفسه ومن معه ولا يسرع السرعة الزائدة فإنها من أكثر أسباب الحوادث...., وقد يكون السائق مستعجلاً فيزيد من السرعة ويحصل له حادث فيتأخر عن حاجته ساعات أو أشهر وربما سنوات.
ولا يخفى على السائقين قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ), وجاء في الحكمة: في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
خامساً : من التحصن من الأمراض والحوادث قبل وقوعها, البعد عن معصية الله, وعدم الإصرار على المعصية إن وقع فيها لأن الله عز وجل قد يعجل له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة, قال سبحانه وتعالى:" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير". وفي حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه). أي بسبب إصراره على ذنب من الذنوب قد يحرم الرزق, والرزق قد يكون صحة في البدن أو سعة في المال أو زوجة أو أولاداً أو بيتاً أو وظيفة.... أو غيرها ... وربما أن الله أعطاه شيئاً من هذه الأرزاق لكنه حُرمَ بركتها .. فرزقه منزوع منه البركة. وهذا مشاهد ومعروف.. فكم من عاص أصر على إهمال صلاة الفجر أو عقوق الوالدين أو شرب الدخان فهو الآن يشتكي من زوجته أو أولاده...أو غيرها وقد يكون هذا عقوبة عاجلة من الله وربما استلم الراتب الكثير من وظيفته ومع ذلك فهو فقير ومديون لماذا ؟! نزع الله بركة الرزق منه.
أيها الأصحاء و المرضى: هناك بعض المعاصي والمحرمات تؤدي بصاحبها إلى الأمراض وربما الموت ..على ما فيها من الأوزار:
فمثلاً: شارب الدخان ومتعاطي المسكرات والمخدرات ... كم من شخص تساهل بهذه المحرمات حتى اعتادها وأدمن عليها, وبعد سنوات ظهرت عليه آثار المرض من الكحة المزمنة أو ضيق التنفس أو خراب الرئة أو تسوس الأسنان وتساقطها, أو تأثر عقله بالخبل والجنون... ثم بدأ يعالج نفسه من هذه الأمراض , وقد لا ينفع العلاج إذا استفحل المرض, ومن زار المستشفيات النفسية وعيادات مكافحة التدخين والتأهيل النفسي والعيادات الصدرية والعقلية فإنه يرثى لحالهم ويسأل الله لهم الشفاء والعافية , وربما مات بسبب هذه السموم فيكون قد قتل نفسه قتلا بطيئاً وقد يعرض نفسه لعقوبة الله, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً أبداً, ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه (يطعنها) في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " رواه البخاري
§ فأوصي كل من ابتلي بشيء من هذه المحرمات والقاذورات أن يتركها لله أولاً وثانياً لصحته ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, ومن تاب تاب الله عليه وأبدل جميع سيئاته حسنات.
§ وأوصي كل من عافاه الله من هذه المحرمات أن يتذكر بأن الوقاية خير من العلاج, , ويحمد الله على العافية
الوقفة الخامسة: أسباب علاج الأمراض:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( تداوو عباد الله ولا تتداوو بحرام ).
وعن أبي هريرة رض الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له شفاء ) متفق عليه, وفي رواية (علمه من علمه وجهله من جهله ).
أيها الأصحاء و المرضى: سوف أذكر ثمانية من أسباب الشفاء والعافية وهي أسباب نافعة لعلاج المرض.
00الأول: التداوي بالتوكل على الله:
ومعرفة الله عز وجل بأنه هو الشافي وهو المعافي مع حسن الظن بالله وإن ترك التداوي لقوة إيمانه وتوكله على الله بأنه هو النافع وهو الضار وهو على كل شيء قدير فلا ينكر عليه , ولا يجبر على العلاج, فنبي الله إبراهيم عليه السلام قال (وإذا مرضت فهو يشفين ), وأيوب عليه السلام قال (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) , وأبو بكر لما نزل به المرض قيل له هلا ذهبت إلى الطبيب, فقال رضي الله عنه, ( الطبيب قد رآني ) قالواً ماذا قال لك, قال (إني فعال لما أريد ) فعلينا أن نوصي أنفسنا ومرضانا بالتوكل على الله وتعليق القلب بالله حتى نحصل على الصحة والعافية والأجر في الدنيا والآخرة.
*- الثاني:التداوي بالإلحاح على الله بالدعاء:
كثرة الدعاء والإلحاح على الله فيه, عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله يحب الملحين في الدعاء" , وعن ثوبان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا يرد القدر إلا الدعاء) وقال (لا يغني حذر من قدر, والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل, وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتالجان إلى يوم القيامة) أي يتصارعان ويتدافعان. يقول عز وجل " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ", قال البغوي رحمه الله في تفسير الآية : المضطر المكروب المجهود, وقال القرطبي رحمه الله: ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه وأخبر بذلك عن نفسه.
وقال الزمخشري: المضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله.
فأوصي كل مضطر بملازمة الدعاء وأن يدعو باسم الله الأعظم كما قال عليه الصلاة والسلام ( أليذوا بياذ الجلال
والإكرام ) وكان عليه الصلاة والسلام إذا حز به أمر قال
يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) أو يدعو بدعوة أيوب عليه السلام التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة أخي ذا النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ). وعند أبي داوود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجوا فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ) أو يدعو بغيرها من أسماء الله وصفاته. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة, فقال يا أبا أمامة: مالي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله, قال: ( أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك, قال قلت بلى يا رسول الله. قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعود بك من العجز والكسل وأعود بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " قال ففعلت ذلك فأذهب الله همي وقضى عني ديني" رواه أبو داوود.
وإني لأدعو الله والأمــر ضيق علي فما ينفك أن يتفرجــــــــــا
ورب فتى ضاقت عليه وجوهه أصاب له في دعوة الله مخرجاً
00 الثالث: التداوي بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة:
قال الله تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ", وقال عز وجل " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاءً", والقرآن كله فيه شفاء ورحمة ( فعلى المريض أن يرقي نفسه – أو يرقيه غيره ) – وعلى سبيل المثال – سورة الفاتحة- أعظم سورة في القرآن بل هي أم القرآن والسبع المثاني والقرآن العظيم, والصغار والكبار يحفظون هذه السورة العظيمة.وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن قراءة الفاتحة سبع مرات على المريض أنها رقية, كما في حديث اللديغ. وكذلك أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي " الله لا إله إلا هو الحي القيوم .." وسورة الإخلاص والمعوذتين – وغيرها من السور والآيات.
ورقية جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا محمد اشتكيت؟ قال نعم, قال: بسم الله أرقيك. من كل شيء
يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد, الله يشفيك بسم الله أرقيك ). وعن عائشة رضي الله عنها وعن الصحابيات أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول (اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً ) متفق عليه.
وعن عثمان ابن العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في جسده فقال صلى الله عليه وسلم
ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: بسم الله –ثلاثاً- وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) رواه الإمام مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
من عاد مريضاً لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك, إلا عافاه الله من ذلك المرض ) رواه أبو داوود والنسائي , وغيرها من الأحاديث والأدعية النبوية فعلينا أن نرقي أنفسنا ومرضانا وجيراننا وأصدائنا وإخواننا المرضى, وقد ورد في الحديث (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ) رواه الإمام مسلم.
*- الرابع:التداوي بقيام الليل والتهجد:
فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بقيام الليل فقام ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد ) رواه الإمام مسلم.
والشاهد قوله (ومطردة للداء وهو المرض عن الجسد, وإذا كان المريض لا يستطيع أن يصلي التهجد قائماً فعليه أن يتهجد قاعداً أو مضجعاً والأجر يكتب له كاملاً.
*- الخامس: التداوي بالصدقة:
فعن أبي أمامه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
داوو مرضاكم بالصدقة ) والحديث في صحيح الجامع, يقول ابن شقيق سمعت عبد الله ابن المبارك وسأله رجل عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين, وقد عالجها بأنواع العلاج وسأل الأطباء فلم ينتفع به فقال (يعني عبد الله بن المبارك ) أذهب فاحفر بئراً في مكان الناس بحاجة إلى الماء فإني أرجوا أن ينبع هناك عينً ويمسك عنك الدم, ففعل الرجل فبرأ) والقصة في صحيح الترغيب.
وسمعت الشيخ محمد بن صالح السحيباني قاضي محكمة البدائع بالقصيم يقول باختصار أن رجلاً من أهل القصيم أصيب بالسرطان فتصدق على أم أيتام فبدأت تدعو له فشفاه الله من هذا المرض, والله جل وعلا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "
*- السادس:التداوي بالعسل والحبة السوداء وماء زمزم :
فقد اخبر الله عز وجل عن العسل فقال " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس " , عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه ( فقال: أسقه عسلاً, ثم أتاه الثانية فقال : أسقه عسلاً, ثم أتاه الثالثة فقال: أسقه عسلاً, ثم أتاه فقال: فعلت , فقال: صدق الله وكذب بطن أخيك, أسقه عسلاً , فسقاه فبرأ ) رواه البخاري, وكذلك الحبة السوداء أو حبة البركة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام, قلت وما السام؟ قال: الموت) رواه البخاري. وقال عن ماء زمزم ( طعام طعم وشفاء سقم ), وقال ( ماء زمزم لما شرب له ).
* السابع : التداوي بالكي والحجامة :
فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (ورفعه) الشفاء في ثلاثة: ( شربة عسل , وشرطة محجم وكية نار, وأنهى أمتي عن الكي ) رواه البخاري ويقول أنس كويت من ذات الجنب ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وشهدني أبو طلحة وأنس ابن النضر وزيد بن ثابت وأبو طلحة كواني ) رواه البخاري.
* الثامن:التداوي بالعقاقير الطبية الحديثة
كالذهاب إلى الأطباء في المستوصفات والمستشفيات المعروفة.
* التاسع التداوي عند السحرة والكهان ( وهو محرم )
بحجة الاضطرار, وبحجة أن الضرورات تبيح المحظورات, أو قيل له مالك علاج إلا عند الساحر فلان أو الكاهن فلان.
سئل الوالد عبد العزيز بن باز رحمه الله عن حكم العلاج عند المشعوذين فقيل له:
هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم, وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي: اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غداً, وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنك مصاب بكذا وكذا, وعلاجك كذا وكذا, ويقول أحدهم إنه يستعمل كلام الله في العلاج, فما رأيكم في مثل هؤلاء, وما حكم الذهاب إليهم؟
الجواب: من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على انه يستخدم الجن, ويدعي علم المغيبات, فلا يجوز العلاج عنده كما لا يجوز المجيء إليه وسؤاله, لقول النبي صلى الله عليه وسلم, في هذا الجنس من الناس
من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ). أخرجه مسلم في صحيحه.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة, والنهي عن سؤالهم وتصديقهم, وقال صلى الله عليه وسلم
من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ). وكل من يدعي علم الغيب, باستعمال ضرب الحصى أو الودع أو التخطيط في الأرض, أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه أو اسم أقاربه, فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم. انتهى كلام ابن باز.
فعلى المريض وأهل المريض أن لا يبيعوا دينهم بدنياهم بالذهاب إلى السحرة والكهان, وعليهم أن يكتفوا بالتداوي في الحلال فقط كما أرشد إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله
تداوو عباد الله ولا تتداوو بحرام ), وقال ( ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها ).
والمؤمن بالله يمتثل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً".
الوقفة السادسة: فضل كتابة الوصية وحكمها.
لا شك أن في كتابة الوصية فوائد كثيرة منها:-
1- إتباع السنة وغفران الذنوب, فعن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مات على وصية مات على سبيل وسنة ومات على تقى وشهادة ومات مغفوراً له) رواه ابن ماجة.
2- ومن فوائدها إزالة النزاع والخصومة وربما القطيعة بين الورثة, فإن بعض المشاكل تنشأ بين الورثة بسبب عدم وجود الوصية.
3- السلامة من كلام الناس ومن عذاب القبر, فعن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً (ترك الوصية عار في الدنيا ونار وشنار في الآخرة ) رواه الطبراني. ومعنى عار في الدنيا: بالكلام عليه بعدم كتابة الوصية, ونار وشنار لأنه محبوس في دينه وقد يعذب بسببه في قبره .
وأما عن حكم الوصية فينقسم إلى قسمين:
§ الأول: سنة: لمن كان سالماً من حقوق الناس, فيستحب له أن يوصي أهله وأولاده بتقوى الله في السر والعلانية وبالمحافظة على الصلاة وبالدعاء له بعد الممات, ويوصي بربع ماله أو ثلثه والثلث كثير يكون صدقة له بعد وفاته, تجري له في الأعمال الصالحة كبناء المساجد وخدمتها, وطبع كتب العلم وأشرطته والحج والجهاد والدعوة إلى الله أو يجعل له وقفاً لأحد الجمعيات الخيرية أو يصرف ريعه صدقة على المحتاجين من الأقارب أو غيرهم.
وعلى الموصي أن يحذر من الجور في الوصية بان ينقص حق الورثة أو يقصد حرمانهم, أو يوصي لبعضهم دون بعض فإن هذا من كبائر الذنوب, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن الرجل ليعمل بطاعة الله سبعين سنة ثم يحضره الموت فيضار في الوصية فتجب له النار ) رواه الإمام أحمد وابن ماجة وحسنه الترمذي.
§ الثاني: واجبة:
لمن كان له أو عليه حق للناس, حتى لا يضيع حق الناس عنده ولا يضيع حق الورثة عند الناس, فعليه أن يحصي جميع ما له وما عليه من الأموال والعقار, فلعل الله عز وجل أن يوفق ورثته لقضاء دينه بعد مماته, فقد يعذب في قبره بسبب ديونه, فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلى ووصيته مكتوبة عنده ). متفق عليه, زاد مسلم قال ابن عمر (فوالله ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا ووصيتي عندي, وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ), فأوصي الجميع بالابتعاد عن القروض والأسلاف والديون ومن ابتلي بشيء منها فأقل الواجب عليه أن يكتبها.
ولعظم الدين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين ), رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وفي رواية (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين ), ولعظم الدين فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدمت له الجنازة ليصلي عليها, سأل عليه الصلاة والسلام: أعليه دين؟ قالوا نعم يا رسول الله عليه درهمين, فاعتذر عن الصلاة عليه وقال صلوا على صاحبكم حتى تكفل أحد الصحابة بقضاء الدرهمين ثم صلى عليه.
وبعض الأصحاء والمرضى والشباب وكبار السن: لا يريد كتابة الوصية ولا يرغب أن يذكره أحد بها ... لماذا؟!
لأن البعض من هؤلاء يتشائم من الوصية ويعتقد بأنها تذكره بالموت وتقربه من الأجل وربما أن البعض منهم ذكر أحد أقاربه بالوصية فرد عليه قائلاً
فال الله ولا فالك), لأنه يعتقد بأنك تتشائم عليه بالموت, وهذا من الجهل في دين الله.
والعاقل يعلم أن الوصية أمر الله بها في كتابه بل أطول آية في كتاب الله هو آية الدين والمداينة ولا شك بان امتثال أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيه منافع كثيرة, ولعل الله أن يطول بأعمارنا ويمد بآجالنا إذا امتثلنا أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
الوقفة السابعة: فضل عيادة المريض – وآدابها.
لا شك أن عيادة المريض واجبة إذا كان من الأقارب والأرحام والجيران وهي حق من حقوق المريض, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
حق المسلم على المسلم ست.. ثم ذكر منها إذا مرض فعده ). ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم (عودوا المريض), وهي سنة ينبغي للمسلم أن يحرص عليها وأن يزور المرضى من المسلمين في بيوتهم وفي المستشفيات وفيها أجور عظيمة, فعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة, قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة ؟ قال: جناها) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام ( ما من مسلم يعود مسلماً مريضأ غدوة (في أول النهار) إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي, وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة ) رواه الترمذي وحسنه واللفظ له- وأبو داوود وفيه (ويستغفرون له) وصححه, وقال ابن الأثير : الخريف الثمر الذي يخترف أي يجنى ويقطف, ويقول عليه الصلاة والسلام (من عاد مريضاً أوزار أ